طب الفضاء: سر نجاح الرحلات البشرية إلى الفضاء الخارجي

الدكتور عبدالله الجلعود

المصدر: “النهار”

28 كانون الأول 2017 | 12:35

لم يكن طب الفضاء ترفاً علمياً أو طبياً، بل ضرورة لمستقبل الإنسان في الفضاء، وسر نجاح رحلات الفضاء البشرية، ومطلب واقع واكب تطوير علوم الفضاء والنهوض بها، وجعل فكرة وجود الإنسان خارج الغلاف الجوي لكوكب الأرض أكثر صموداً أمام التحديات التي يواجها رائد الفضاء والذي لا تتوفر له كل مقومات الحياة الموجودة تحت خط كارمان، وهو خط يقع على ارتفاع 100 كم (62 ميلاً) فوق سطح البحر. ويستخدم للتفرقة بين الغلاف الجوي للأرض والفضاء الخارجي، بحسب تصنيف الاتحاد الدولي للملاحة الفضائية، ومقره لوزان في سويسرا.

في منتصف القرن الماضي دخلت البشرية عصراً جديداً، يعرف بعصر الفضاء، حين تمكن الإنسان من الطيران والسفر إلى الفضاء الخارجي والدوران حول الأرض، بل والعيش لفترات طويلة نسبياً على متن محطات الفضاء الدولية، ليفتح بذلك السبيل أمام استكشاف الفضاء لما فيه نفع الإنسانية وتحقيق أهداف التنمية المستدامة والحفاظ على استخدام الفضاء الخارجي للأغراض السلمية.

مع وصول الإنسان إلى الفضاء، وضع أمام الطب مهمات عمله بتأمين الحياة والسلامة لطيران الإنسان في الغلاف الجوي الفضائي، ونتج من ذلك مشكلات حيوية وطبية جديدة. ومن أجل الوصول إلى حل هذه المشكلات، ظهر بالإضافة إلى طب الطيران نوع جديد من فروع الطب وهو طب الفضاء.

 مضاعفات صحية 

طب الفضاء هو أحد تخصصات الطب، والذي يقدم الرعاية الصحية لرواد الفضاء ويهتم بدراسة المتغيرات الفسيولوجية والنفسية والعوامل البيئية والمهنية المؤثرة على صحة رواد الفضاء أثناء تواجدهم في الفضاء وإعادة تأهيلهم بعد عودتهم من الفضاء للتأقلم مع بيئة الأرض. وهذه المعطيات يتم أخذها في الاعتبار عند التخطيط لرحلة فضائية حاليا. فيخضع رواد الفضاء إلى فحوصات طبية دورية متقدمة، ويجدول للرواد تمرينات رياضية منتظمة ويستبدلون بانتظام لهذا السبب، فلا يعيشون إلى ما لانهاية في الفضاء.

تختلف الظروف البيئية في الفضاء عما هي عليه في الأرض، ما يجعل الحياة في الفضاء أمراً صعباً للغاية، إن لم يكن مستحيلاً. حيث يعتبر الفضاء بيئة قاسية بالنسبة للبشر. فأجسامنا لا تتلاءم مع العيش هناك، وعضلاتنا التي تعمل باستمرار ضد الجاذبية وعلى الأرض، تبذل جهداً أقل للقيام به في الفضاء، حيث إنها تصاب بالضمور، ويشمل الضمور القلب أيضًا الذي ينكمش قليلاً، تضعف الأنسجة والعظام التي يمكن أن تتعرض للكسر بسهولة. ويتعرض الإنسان في الفضاء إلى ما يسمى بالإشعاع الكوني الذي يمكن أن يؤدي إلى موت الخلية، أو يمكن أن يسبب طفرات تؤدي إلى السرطان أو تأثيرات جينية، ويمكن أن يضعف الإشعاع الكوني جهاز المناعة ونخاع العظام والعيون، ما يؤدي إلى إعتام عدسة العين. وبسبب ضعف جهاز المناعة وفرط الحساسية التي يعانيها الإنسان في الفضاء يكون عرضة للكثير من الأمراض.

صحة رواد الفضاء

لطالما كان السفر إلى الفضاء حلماً يراود الإنسان منذ القدم. وقطعت العديد من الدول ووكالات الفضاء الدولية خطوات كبيرة في هذا المجال. مما لا شك فيه أنك فكرت يوماً في زيارة الفضاء واكتشاف ذلك العالم الخارجي المليء بالغموض، ولكن إمكانية الحياة في الفضاء لا تعني أنها ستكون مشابهة لحياتنا على كوكب الأرض. إن تحديات مثل الجاذبية المتناهية الصغر، والأشعة الكونية، وتباطؤ وظائف القلب والأوعية الدموية واضطرابات التوازن والجهاز المناعي والنوم أصبحت واقعاً يجب على الأطباء المتخصصين في طب الطيران والفضاء بحثها وتطوير ممارسة طبية تدرس صحة رواد الفضاء الذين يعيشون خارج الغلاف الجوي للأرض لبحث كيف يمكن البقاء على قيد الحياة في الظروف القاسية في الفضاء ومدى تكيفهم مع بيئة الأرض بعد العودة من الفضاء، وتطوير معايير وقائية بهدف التقليل من الأخطار الصحية الناجمة عن العيش في بيئة الفضاء.

اليوم في محطة الفضاء الدولية، كل يوم وعلى ارتفاع 400 كيلومتر عن سطح الأرض، هناك رواد فضاء يعملون ويتناولون الطعام وينامون ويعيشون هناك لعدة أشهر. في المستقبل ستكون أنظمة الروبوت قادرة على القيام بكل ما يمكن للإنسان أن يقوم به. ربما لن تكون هناك حاجة لإرسال البشر إلى الفضاء سواء لغايات علمية أو تقنية. رغم ذلك سيمضي البشر قُدُماً وبشجاعة نحو الفضاء الخارجي، بعد أن يحدد لنا طب الطيران والفضاء كيفية القيام بذلك.